فصل: مسألة هو أسوة الغرماء في تلك السلعة ولا يكون أولى بها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يسأل رجلا دينارين فأتاه بدينار فأبى الطالب أخذه إلا جميعا أيجبر على ذلك:

ومن كتاب البيوع والعيوب:
قال أصبغ: وسئل: عن رجل يسأل رجلا دينارين، فأتاه بدينار فأبى الطالب أخذه إلا جميعا، أيجبر على ذلك؟
فقال: إن كان الذي عليه الحق موسرا لم يجبر الطالب على أخذ الدينار وأجبر الغريم على دفع الدينارين جميعا إليه، وإن كان معسرا أجبر الطالب على أخذ الدينار وأنظر المطلوب بما بقي، وقاله أصبغ، والحق حقه. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في الرجل يكون له على الرجل حق وقد حل فيأتيه ببعض حقه فيقول: لا أقبله منك إلا جملة، أله ذلك، أم يجبر على قبض ما جاءه به؟ قال: أرى أن يجبر على قبض ما جاءه به.
قال القاضي: أما إذا كان الغريم معسرا فلا اختلاف ولا إشكال في أنه يجبر الذي له الحق على قبض ما جاءه به وينظره ببقية حقه، لقوله عز وجل: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280].
وأما إن كان موسرا ففي ذلك قولان:
أحدهما: أنه يجبر على قبض ما جاءه به، وهو قول ابن القاسم في رواية أبي زيد هذه وقول مالك في كتاب ابن المواز.
والثاني: أنه لا يجبر على قبض ما جاءه به ويجبر الغريم على دفع جميع حقه إليه، وهو قول أشهب هاهنا وفي كتاب العدة وقول ابن القاسم في كتاب ابن المواز.
وكذلك لو كان له عليه دينار مجموع فأتاه بنصف دينار وهو موسر أو معسر.
وأما لو كان له عليه دينار دراهم لم يلزمه أن يأخذه منه إلا أن يشاء موسرا كان أو معسرا. وهذا إذا بايعه بالدينار صفقة واحدة.
وقد مضى بيان هذا في رسم تأخير العشاء في الحرس من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة لا توله والدة على ولدها:

من مسائل نوازل سئل عنها أصبغ قال أصبغ، في رجل له أمة ولها ولد صغير فدبر ولدها الصغير ثم ادَّانَ ولا مال له غير الأمة وولدها، فقام عليه الغرماء بدينهم فأرادوا بيع الأمة.
قال: لا أرى للسلطان أن يبيعها لهم، وذلك أن بيعها تفرقة بينها وبين ولدها، وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُوَلَّهْ والدة على ولدها».
ولا يجوز للسلطان أن يبيعها لهؤلاء الغرماء، وأرى أن تحبس على ولدها موقوفة حتى يبلغ التفرقة، فإذا بلغ بيعت في دين سيدها.
وإنما رأيت حسبها على ولدها؛ لأن ولدها لما امتنع فيه البيع للذي سبق فيه من التدبير ولم يجز في السنة التفرقة بينها وبين ولدها صارت كالمدبرة مع ولدها فهي موقوفة عليه تخرج لهم فيتقاضون من خراجها دينهم إلى أن يبلغ ولدها التفرقة كما لو كانت مدبرة، فإن تقاضوا من خراجها دينهم قبل أن يبلغوا التفرقة فذلك، وإن بلغوا التفرقة وبقي من دينهم بيعت أو بيع منها وفاء دينهم، أو يموت السيد قبل ذلك فينظر، فإن كان في الأمة وفاء بالدين بيعت وعتق ثلث المدبر؛ لأنه ثلث ما بقي من ماله، وإن كان في بعضها وفاء لدينه نظر إلى ثلث ما بقي بعد قضاء الدين فيعتق مبلغ ذلك من قيمة الصبي المدبر.
قال: وإن كانت هي المدبرة ولا تدبير في ولدها فالجواب فيها سواء تخارج لهم إلى موت سيدها أو يبلغ ولدها التفرقة فيباع لهم في دينهم، فإن كان فيه وفاء وإلا فما بقي من الدين اقتضوه من خراجها إلى أن يموت سيدها فيباع منها بقدر الدين ويعتق منها ثلث ما بقي.
قال أصبغ: ولو أن نصرانيا له أمة نصرانية ولها ولد صغير فدبر السيد ولدها الصغير ثم إنها أسلمت لم يجز للسلطان أن يبيعها عليه من المسلمين؛ لأن بيعها تفرقة، ولكن يخارجها عليه وتخرج من خدمته كما كان يفعل بها لو كانت هي المدبرة إلى أن يبلغ ولدها التفرقة ثم تباع من المسلمين، إلا إن رجع النصراني في تدبير الصبي فيباع مع أمه من المسلمين ولا يعرض له في رجوعه عن تدبيره.
قال محمد بن رشد: هاتان المسألتان صحيحتان لا وجه للقول فيهما، إذ لا إشكال في شيء من معانيهما، وبالله التوفيق.

.مسألة يكون له عليه مائة دينار فيأتيه رجل يزعم أنه رسول صاحب المائة:

وسئل: عن الرجل يكون له على الرجل مائة دينار فيأتيه رجل يزعم أنه رسول صاحب المائة إليه أرسله فيقول للذي عليه الدين هات خمسين وأنا أحط عنك خمسين فإن أبى صاحبها الذي أرسلني أن يحطها فهي علي في مالي أنا لها ضامن، أو يزعم أنه وكله على قبض خمسين وقد وضع عنك خمسين فلا يصدقه الغريم فيقول الرسول هات الخمسين وأنا ضامن للخمسين التي أحط عنك إن أنكرها، هل تلزم الرسول الخمسين في الوجهين جميعا إن أنكر صاحب المائة على مثل هذا الشرط؟ أم تراها لازمة له إذا زعم أن الغريم حطها ولا تلزمه إذا حطها هو وضمنها وعلى ذلك قبض الخمسين؟
قال أصبغ: أراهما جميعا سواء إذا كان يقبض على هذا الشرط أن ذلك عليه كله، فأرى أن ينظر في قبضه، فإن كان إنما يقتضي لغائب بعيد الغيبة أو بوجه يطول عليه مكثها عنده إلى ذلك لينتفع بها انتفاعا أو يتقاضى ويقضي فيها ما شاء فلا أراه جائزا وأراه ضامنا للانتفاع وزيادتها له.
وإن كان صاحبها قريبا ومفاصلته إياه قريبا وإنما هو كالرسول يأخذ ويذهب به فيعرف ذلك فيرضى أو لا يرضى فيضمن وليس لقبضه إياه عنده مكث كمكث الودائع والبضائع المطول أمرها، فأراه جائزا وأراه لازما، وليس في هذه جريرة زيادة لا ضمان زيادة ولا تهمة فهو عند هذا معروف له.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله أن الضمان لازم له في الوجهين جميعا في حياته وبعد وفاته؛ لأن ذلك يشبه المبايعة، إذ لم يرض الذي عليه الدين أن يدفع إليه الخمسين إلا على أن يضمن له حط الخمسين الأخرى عنه، فإذا كان التزم له ضمانها لانتفاعه بالخمسين التي قبض لطول كونها في يده جرح فيما بينه وبين خالقه ولم يسقط ذلك عنه ما لزمه من الضمان، ولو كان حطها عنه والتزم له ضمانها في مكان يلزمه دفع الخمسين إليه للزمه ذلك في حياته وسقطت عنه بعد وفاته؛ لأنه معروف على غير عوض، وبالله التوفيق.

.مسألة الذي يبطل من بيع السفيه:

وسئل أصبغ عن البكر تحتاج فتبيع بعض عروضها وتنفق ذلك على نفسها وتصنع في ذلك البيع والإنفاق على نفسها ما كان يصنعه السلطان، أو تبيع ذلك عليها أمها أو واحد ينظر لها من أقاربها وهو غير وصي.
ولو أرادت أو أراد من باع ذلك لها رفع ذلك إلى السلطان لم يقدر على ذلك وخاف فيما بين ذلك ضيعة عليها.
وكيف إن كانت قادرة على أن ترفع ذلك إلى السلطان أو يرفع ذلك الذي نظر لها فيه فتركت إلا أنها نظرت في ذلك أو نظر لها الناظر بالذي كان ينظر به السلطان من حسن البيع واستقصاء الثمن وبيع ما لم يكن لها بد من أن يباع لها وحسن النظر في الإنفاق، هل يرد مثل هذا السلطان إذا ثبت عنده على هذه الصفة، وهذا الذي اجتهد كان يأمر به لها.
قال أصبغ: أما بلوغ المعذرة من السلطان وغير المعذرة فسواء، ليس هذا ينقص ولا يزيد ولا يقدم ولا يؤخر، والقول فيها أنا نرى إن كان الذي باعت أو بيع لها الشيء الذي له بال وقدر مثل العقار الصالح والأمر الكبير من غيره، فهو مردود على كل حال أصله لا يجوز ولا يجاز، وهو بيع سفيه وسفه ومال يتيم لم يبلغ مما لا يباع عليه إلا بالوالي الناظر أو السلطان الناظر بعد النظر والحاجة والاستقصاء، فهو مردود، وأصله لا يجوز: فإذا رد نظر فإن كان الثمن حول في نفقة لابد منها ولها بيع وأمر لا محيص عنه ولا غناء ولا يرجع إلى شيء غيره لها بوجه من الوجوه مهما كان لو باعه وصي أو سلطان كان كذلك يبيع، ومما لو رفع إلى القاضي لباع به للحاجة ومما لابد منه، فأرى حينئذ أن يحسب للمشتري ذلك الذي أكلت أو أنفقت أو أنفق عليها منه في الحد الذي لو كان بيع بصحة أنفق منه وأقيم له، ولا يبطل كله فيكون ظلما، ويكون قد كان غنى لأهله.
وإنما الذي يبطل من بيع السفيه ما لا مخرج له منه إذا قبضه حتى يصنع به ما شاء ويبذره ويعمل فيه بشهواته، فهو الذي يكون هدرا كله عنه، فأما ما وصفت لك فلا أرى ذلك وأراه بمنزلة ما لو أدرك في يد السفيه بعد قبضه وقبل تلفه فهو كان يرد إلى المشتري ويفسخ البيع، فكذلك ما دخل في موضعه وجرى فيه فأراه محسوبا له، غير أن أصل بيع العقار يفسخ ويرد وإن كان الذي باع أو بيع بما وصفت خفيفا لا قدر له مثل الدويرة الصغيرة والغلقة والبيت الخرب والأمر اليسير جدا الخفيف باله فبيع لنفقته ومصلحته كما وصفت لك ودخل مدخل ذلك فهو نافذ، وبيع من باع مثل هذا نظر جائز إذا كان موضعه وحقه، ولا يرد أصله إذا كان جعل في نفقة اليتيم ومصلحته وانتفع به في حينه ولم يكن له شيء غيره ونحوه. وقد سألته أنا عنها أو ما يشبههما إن شاء الله تعالى.
قال محمد بن رشد: فرق أصبغ فيما باعته البكر على نفسها فيما لابد لها منه من نفقتها أو باعه عليها حاضنها لذلك بوجه السداد الذي لو رفع الأمر فيه إلى الإمام لفعله، بين أن يكون ذلك الشيء الخفيف الذي لا قدر له مثل الدويرة الصغيرة والغلقة والبيت الخرب وما أشبه ذلك، وبين أن يكون الشيء الذي له بال مثل العقار الصالح والأمر الكبير، فقال في الشيء الخفيف والأمر اليسير من ذلك: إنه يجوز ولا يرد، ومعنى ذلك إذا علمت الحاجة إلى البيع، وأما إن لم تعلم الحاجة فالبيع مردود، وذلك بين من قوله ولا يرد أصله إذا كان جعل في نفقة اليتيم ومصلحته وانتفع به في حينه ولم يكن له شيء غيره.
وقال في الشيء الذي له بال وقدر مثل العقار الصالح والأمر الكبير: إن البيع يرد ولا يجوز على كل حال، غير أنه إن كان الثمن حول في نفقة اليتيم وما لابد له منه ولا محيص له عنه لم يبطل عنه وأخذ المشتري من ماله، وفي ذلك من قوله نظر: كيف يرد السلطان بيع ما كان بيعه سدادا وما لو رفع إليه لفعله؟
ووجه ذلك: هو أنه قد يحدث من الأحوال ما يكون رد البيع به يوم يرد هو الحظ لليتيم بخلاف ما كان الأمر يوم وقع البيع به.
وفي هذا اختلاف: قد قيل: إن السلطان لا يرد البيع إذا كان سدادا يوم وقع، وقد مضى بيان هذا في رسم الصبرة من سماع يحيى من كتاب التخيير والتمليك.
وقول أصبغ: إن اليتيم لا يبطل عنه ثمن ما باع من ماله أو باعه عليه من لا يجوز بيعه عليه إذا أنفقه في مصلحته وما لابد له منه، خلاف ما روي عن ابن القاسم في المدنية والمبسوطة من أنه لا يتبع به على حال من الحال، أنفقه في فساد أو غير ذلك، مثل قول ابن كنانة فيهما، قال: ولو أن المولى عليه باع سلعة أو ابتاعها من أحد بدين أو أخذ مالا من أحد سلفا فاستهلكه، إن ذلك المال يبطل عنه ولا يتبع به مليا كان أو معدما، إلا أن يكون استنفق ذلك في شيء وقى به النفقة عن ماله، مثل أن يكون اكتسى أو ابتاع به طعاما أو نحو ذلك مما لو لم يكن ابتاعه هو من ذلك المال ابتيع له ذلك من ماله، فأرى أن يكون ذلك في ماله إن كان له مال، وما أنفق منه من قليل أو كثير في فساد فإنه يبطل ولا يتبع به، وهو اختيار عيسى بن دينار، قال: قول ابن كنانة هو الحق الذي لا ينبغي أن يكون غير ذلك إن شاء الله.
فيتحصل فيما باع اليتيم دون إذن وصيه أو الصغير من عقاره أو أصوله بوجه من السداد في نفقته التي لابد له منها إذا كان لا شيء له غير الذي باع أو كان ذلك أحق ما باعه من أصوله ثلاثة أقوال: أحدها: أن البيع يرد على كل حال ولا يتبع بشيء من الثمن، وهو قول ابن القاسم وهو أضعف الأقوال.
والثاني: أن البيع يرد إن رأى ذلك الوصي، ولا يبطل الثمن عن اليتيم ويؤخذ من ماله، وهو قول أصبغ.
والثالث: أن البيع يمضي ولا يرد إلا أن يكون باع بأقل من القيمة أو باع ما غير ذلك أحق بالبيع في نفقته فلا اختلاف في أن البيع يرد وإن لم يبطل الثمن على اليتيم لإنفاقه إياه فيما لابد له منه.
وأما ما باع اليتيم من ماله وأنفق ثمنه في شهواته التي يستغني عنها فلا اختلاف في أنه يرد ولا يتبع بشيء من الثمن كان الذي باع من ماله يسيرا أو كثيرا أصلا أو عرضا، وهو محمول فيما باع وقبض من الثمن أنه أنفقه فيما له منه بد حتى يثبت أنه أنفقه فيما ليس له منه بد.
وقد قيل: إن بيع الحاضن على محضونه في نفقته ماله قدر وبال جائز، ذكر ذلك ابن الهندي في وثائقه، وهو الذي يأتي على مذهب من أنزله منزلة الوصي بالحضانة، وهو دليل ما في كتاب القسمة من المدونة ورواية ابن غانم عن مالك أن كل من ولي يتيما قريبا كان أو بعيدا فهو يحوز ما وهب له، وقال ذلك ابن وهب في الأمهات والأجداد والجدات دون سائر القرابات، وقاله ابن كنانة في الأخ أيضا.
فيتحصل في ذلك أربعة أقوال: أحدها: أن الحاضن لا يكون كالوصي بحال، والثاني: أنه يكون كالوصي على كل حال، والثالث: أنه يكون كالوصي إذا كان أما أو من الأجداد أو الجدات دون سائر القرابات، والرابع: أنه يكون كالوصي إذا كان من الأجداد أو الجدات أو الإخوة دون سائر القرابات، وبالله التوفيق.

.مسألة إذا كانت بالغة في السن قد عرف رشدها فباعت أيجوز بيعها:

قلت له: يا أبا عبد الله إذا كانت بالغة في السن قد عرف رشدها فباعت، أيجوز بيعها؟ فقال: نعم بيعها جائز إذا بلغت في السن وعرف رشدها وكان بيعها نظرا لنفسها.
فقال له رجل من أصحابنا: أترى أن أربعين سنة من السنين لها؟ فقال: نعم، ولم يذكر لنا عقارا ولا غيره.
قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل القول في هذه المسألة وبيانه مستوفى في سماع سحنون، فلا معنى لإعادته، والله الموفق.

.مسألة قال لفلان علي وعلى فلان وفلان ألف درهم:

قال ابن القاسم: إذا قال الرجل لفلان علي ألف درهم وعلى فلان وفلان، فأراها كلها عليه خاصة وإن كان كلامه نسقا.
قال: وإذا قال لفلان علي وعلى فلان وفلان ألف درهم فلا أرى عليه إلا ثلث الألف؛ لأن الأول قد أقر بألف على نفسه، ثم ندم فأدخل ما أدخل ليسقط بعض ذلك عن نفسه، ولأن الآخر إنما هو إقرار واحد وشهادة واحدة فيؤخذ بحصة ما يلزمه من ذلك ويسقط عنه ما بقي إذ لم تجز شهادته فيما بقي.
قال محمد بن رشد: أما الذي قال لفلان علي وعلى فلان وفلان ألف درهم فلا اختلاف أنه لا يلزمه بإقراره هذا إلا ثلث الألف، وأما إذا قال لفلان علي ألف درهم وعلى فلان وفلان فإن لم يكن ذلك نسقا لزمته الألف كلها، وإن كان ذلك نسقا متتابعا فقيل: إنه تلزمه الألف كلها ويحمل ذلك منه على الندم، وقيل: إنه لا يلزمه إلا ثلثها ويصدق فيما ادعاه من أن آخر كلامه مبين لأوله.
وقد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ من كتاب جامع البيوع، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة قام عليه غريمه بعد موته فادعى أن له عليه مائة دينار:

قال أصبغ، في رجل قام عليه غريمه بعد موته فادعى أن له عليه مائة دينار فشهد له عند السلطان وطلب مال الميت فلم يوجد له كفاف لدين هذا الطالب، فباع السلطان ماله ثم أوقفه على يدي عدل وضاع المال وجاء غرماء يطلبون دينا كان لهم على الميت وأثبتوا دينهم.
قال أصبغ: مصيبة المال من الذي وضع له المال، ويرجع الغرماء عليه فيحاصونه بأخذ كل واحد منهم على قدر دينهم.
قال الإمام القاضي: قوله: إن مصيبة المال من الذي وضع له المال صحيح لا اختلاف في أن ما وقف لغريم بعينه في الموت أو في الفلس حتى يدفع إليه أن مصيبته منه إن تلف قبل أن يدفع إليه.
وأما قوله: إن الغرماء الذين طرءوا يرجعون عليه فيحاصونه ففي ذلك اختلاف، قيل: إنهم يرجعون عليه، وهو قول أصبغ هذا وظاهر ما في كتاب التفليس من المدونة، وقيل: إنهم لا رجوع لهم عليه، وهو الذي يأتي على ما في كتاب القسمة من المدونة في بعض الروايات أن الذين إذا طرأ على الورثة وقد اقتسموا التركة وتلف جميع ما في يدي بعضهم ببينة قامت على ذلك أن من تلف جميع ما في يديه ببينة فلا يرجع ولا يرجع عليه؛ لأن ما تلف بيد الأمين فهو بمنزلة ما قامت البينة على تلفه، لا فرق بين تلفه بيد الأمين أو ببينة قامت عليه بعد قبضه إياه.
وهذا على اختلافهم في الوارث يطرأ على الورثة والغريم على الغرماء أو الموصى له على الموصى لهم وقد تلف ما في أيدي بعضهم ببينة قامت على ذلك، فقيل: إنه لا رجوع له على من تلف ما في يديه ببينة، وقيل: إن له الرجوع عليه، وقيل: يرجع عليه في العين ولا يرجع عليه في العرض، فهي ثلاثة أقوال.
وأما ما وقف في التفليس أو الموقف لاستبراء ما على المفلس أو الميت من الديون، فقيل: إن ضمانه من المفلس عرضا كان أو عينا وهو قول أشهب، وقيل: إن ضمانه من الغرماء عينا كان أو عرضا وهو قول ابن الماجشون وروايته عن مالك، وقيل: إن ضمانه من الغرماء إن كان عينا ومن المفلس إن كان عرضا وهو قول ابن القاسم، ومعناه: إذا كانت ديونهم عينا، وأما إن كانت ديونهم مماثلة للمال الموقف فضمانه منهم عينا كان أو عرضا.
فتحصيل مذهبه: أن ما يحتاج إلى بيعه فضمانه من الغريم المفلس؛ لأنه إنما باع على ملكه، وما لا يحتاج إلى بيعه فضمانه من الغرماء.
وقال أصبغ: المصيبة في الموت من الغرماء وفي التفليس من الغريم المفلس، وبالله التوفيق.

.مسألة أجير السقي وصاحب الأرض المكري لها إذا فلس المكتري أو مات:

من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: قال ابن القاسم في أجير يسقي الزرع وأجير يحرز الزرع وصاحب الأرض أنه إذا فلس صاحب الزرع فإن صاحب الأرض والأجير الذي يسقي الزرع أولى من الغرماء يتحاصون بينهم، فإن فضل شيء من حقهم تحاص فيه الغرماء ودخل معهم الأجير الذي يحرز.
قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أن الأجير الذي يحرز الزرع أسوة الغرماء في الموت والفلس جميعا، وإنما اختلف في أجير السقي وصاحب الأرض المكري لها إذا فلس المكتري أو مات، وقد مضى تحصيل هذا الاختلاف وتوجيهه مستوفى في أول سماع أشهب، فلا معنى لإعادته، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة النوتي يكون له المركب يحمل عليه القمح ثم يفلس النوتي والمركب له:

وسئل ابن القاسم، عن النوتي يكون له المركب يحمل عليه القمح ثم يفلس النوتي والمركب له، قال: هو أسوة الغرماء، ولا يكون أولى بالمركب من الغرماء.
قال محمد بن رشد: المعنى عندي في هذه المسألة أن صاحب المركب أكرى من الرجل على أن يحمل له طعاما أو متاعا في مركبه ولم يعين له المركب بأن يشير إليه فيقول مركبي هذا أو يسميه فيقول مركبي الفلاني ولا أسلم إليه المركب، فوجب أن يكون المكتري إذا فلس المكري صاحب المركب أسوة الغرماء، كمن اكترى دابة غير معينة لحمل طعام أو متاع ففلس الكري صاحب الدابة قبل أن يسلمها إلى المكتري.
وإذا حاص الغرماء اكتري له بما صار له من الكراء ما بلغ واتبعه ببقية حقه.
ولو عين المركب لوجب أن يكون أحق به قبض أو لم يقبض على قياس الدابة المعينة.
وقد قال بعض أهل النظر في هذه المسألة: إنها مسألة حائلة مخالفة للأصول وليس قوله بصحيح؛ لأن المعنى فيها هو ما حملتها عليه، وبه يصح ويرتفع الاعتراض عنها.
وقد مضى القول مستوفى في مسألة الكري يفلس في آخر سماع ابن القاسم من كتاب الرواحل والدواب فلا معنى لإعادته، وتكررت المسألة أيضا في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب، وبالله التوفيق.

.مسألة هو أسوة الغرماء في تلك السلعة ولا يكون أولى بها:

وسئل ابن القاسم، عن رجل كان لي عليه عشرة دنانير فتقاضيته فأعطى رجلا سلعة يبيعها ويوفيني الثمن، ففلس الرجل الذي لي عليه العشرة قبل أن يبيع ذلك الرجل السلعة. قال: هو أسوة الغرماء في تلك السلعة ولا يكون أولى بها.
قال الإمام القاضي: هذه مسألة صحيحة على قياس قول ابن القاسم في الرهون من المدونة أن الراهن ذا قال للمرتهن أنفق على الرهن على أن نفقتك فيه- أنه يكون أحق بما فضل من الرهن عن حقه حتى يستوفي نفقته، إلا أن يكون عليه غرماء فلا يكون أحق ببقية الرهن في نفقته منهم.
ولو أراد صاحب السلعة أن يسترد السلعة من عند الذي دفعها إليه ليبيعها ويؤدي ثمنها إلى صاحب العشرة الدنانير لم يكن ذلك له على قياس قول ابن القاسم في مسألة الذي أنفق على الرهن على أن تكون نفقته فيه، وأشهب يرى أنه يكون أحق من الغرماء ببقية الرهن في نفقته لقوله أنفق ونفقتك فيه.
فعلى قياس قوله يكون صاحب العشرة دنانير أحق بالسلعة من الغرماء وإن لم ينص على أنها له بيده رهن بحقه، فالخلاف بين ابن القاسم وأشهب قائم من هذه المسألة في الرهن، هل تفتقر صحته إلى التصريح به أم لا؟
فلو دفع رجل إلى رجل سلعة ولم يزد على أن قال له أمسكها حتى أدفع إليك حقك لكانت له رهنا يكون أحق بها من الغرماء عند أشهب، ولم تكن له رهنا يكون أحق بها من الغرماء عند ابن القاسم، لكنه يكون من حقه أن يمسكها حتى يدفع إليه حقه ما لم يقم عليه الغرماء، وبالله التوفيق.

.مسألة رجل فلس فأقر فقال هذا مال فلان لرجل قارضه:

قال ابن القاسم، في رجل فلس فأقر فقال: هذا مال فلان، لرجل قارضه أو هذا المتاع من ماله القراض- كان مصدقا، وكذلك الموت، هو في ذلك مصدق في التفليس والموت، وصاحبه أولى به إذا كانت له بينة على أصل القراض والوديعة.
قلت: أرأيت إن فلس فأقر في شيء بعينه أنه لفلان وأنها سلعته بعينيها وعلى أصل البيع بينة إلا أنهم لا يعرفون السلعة بعينها إنما يشهدون على إقرارهما أنه باع منه عبدا أو جارية أو دابة بكذا وكذا قبل التفليس ثم أقر في التفليس ولا يشهدون أن هذه دابته- أن قوله جائز.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى بيان القول فيها في رسم البيع والصرف من سماع أصبغ وفي غيره من المواضع المذكورة فيه، فلا وجه لإعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة عبد بيع فأبق ثم فلس مشتريه:

قال ابن القاسم، في عبد بيع فأبق ثم فلس مشتريه، فقال البائع: أنا أحاص بالثمن فإن رجع العبد يوما ما أو وجد أخذته ورددت ما أخذت، قال: ليس ذلك له إما أن يرضى أن يتبع العبد ويطلبه ولا شيء له، وإما أن يحاص بالثمن إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إليه الثمن.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد تكررت في رسم أوصى من سماع عيسى، وقد مضى القول عليها هناك مستوفى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.